أهمية مجالس الذكر وتدارس القرآن في تقوية الإيمان وتجديد العهد مع الله -فريد الأنصاري

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. نسأل الله النجاة والعتق لنا ولكم وللمسلمين أجمعين.
ثم أما بعد، ليس هناك أفضل في مجلسنا هذا الذي نستأنف فيه مجالس القرآن الكريم من أن نتحدث عما ينبغي أن نتحدث عنه، وهو الاجتماع على ذكر الله جل وعلا. هذا الاجتماع هو أساس لقاء المؤمنين من أجل الإيمان وتقوية سيرهم إلى الله جل وعلا وتثبيته. فالمؤمن كلما طال عهده بالبعد عن مصادر الخير والتلقي من الله جل وعلا، أصابه الفتور في قلبه وضعف إيمانه. ولذلك، لا بد للمؤمن من أن يستمر في التزود من كتاب الله جل وعلا وذكره سبحانه بكل الوسائل المشروعة. فإن الانقطاع الطويل عن هذا التزود يؤدي إلى الفتور أو حتى الانقطاع عن التعبد.
ومن الواضح جداً قول الله جل وعلا: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}، فالله جل وعلا يذكر في هذه الآية سبب فساد بني إسرائيل وسبب ضلالهم وقسوة قلوبهم بسبب طول الأمد بينهم وبين الكتاب الذي أنزل عليهم وهو التوراة. وكذلك وقع للنصارى بعد أن طال العهد بينهم وبين الإنجيل. فكل هذه المعاني تظهر أن الإنسان إذا طال بعده عن الله جل وعلا ولم يرجع للتذكر والتزود، فإن قلبه يقسو ويصعب عليه العودة إلى الله عز وجل. وليس ذلك مستحيلاً، لكنه يكون صعباً.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفتأ يأمر أصحابه والأمة الإسلامية كلها بإدامة الذكر، كما جاء في وصيته عليه الصلاة والسلام: “لا يزال لسانك رطباً بذكر الله”. هذا التعبير بالرطوبة يشير إلى استمرار الذكر؛ كما أن الشجرة التي تضرب جذورها في الماء تكون دائماً خضراء وطرية. كذلك العبد الذي يذكر ربه جل وعلا بانتظام يكون كالشجرة التي تمد جذورها في الماء باستمرار.
إن الإنسان بمفرده ضعيف، ولهذا فرض الله علينا الصلوات الخمس في جماعة حتى لا يبقى كل شخص وحده. فالإنسان المؤمن إذا أراد أن يدوم على ذكر الله جل وعلا لا بد أن تكون له لقاءات مع إخوانه المؤمنين. وكما قال الصحابي الجليل: “اجلس بنا نؤمن ساعة”. هذه المجالس كانت عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنّة بمعيته، وهي تجعل القلب مطمئناً وقوياً.
وإذا كانت هذه المجالس المباركة تهدف إلى التذكير، فإن خير جليس هو القرآن الكريم، ولا يجب أن ينقطع هذا الخير. فالمجلس ينبغي أن يستمر سواء حضر شخص معين أم لا، لأن الشرط الوحيد لنجاح المجلس هو وجود القرآن. المصاحف موجودة بين أيدينا، فلنقرأ ما تيسر من كتاب الله ونتدارس معانيه.
فلنقرأ ما تيسر من كتاب الله ونتدارس معانيه بيننا، فكلٌ يدلي بدلوه، وكلٌ يسهم بما يفهم، وإذا واجهتنا معضلة أو تساؤل، يمكننا طلب المساعدة من أهل العلم. ولكن في الغالب، أغلب معاني القرآن الكريم واضحة، وقد قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟}، فلا ينبغي أن ينقطع هذا الخير، بل يجب أن تستمر مجالس القرآن الكريم لأنها تجمع المؤمنين وتؤلف بين قلوبهم، وتفتح أبواب التناصح بينهم.
وفي هذه المجالس، لا يقتصر الأمر على الأمور الدينية فقط، بل يمتد أيضاً إلى أمور الدنيا. فالدين الإسلامي يشمل العبادات والعادات، والمعاملات التجارية، والعلاقات الاجتماعية. لذلك، عندما نجتمع لتدارس القرآن، تصبح المجموعة التي تجلس حول كتاب الله أشبه بأسرة واحدة. وهذا الشعور بالأنس والاطمئنان والتلاحم يتحقق بيننا. ويجب أن نشتاق لبعضنا البعض، حيث إن المؤمن يشتاق لأخيه من أجل الجلوس معه في مثل هذه المجالس المباركة، فيذكرون الله ويطردون الشيطان من مجتمعاتهم، وتسقل قلوبهم من جديد لتستفيد من كتاب الله بعمق وبقوة.
وهذه المجالس تقوي الحس الإيماني والشعور بحلاوة الإيمان، فتدفع الإنسان إلى الاشتياق للمساجد والجماعات والصلوات والقيام بالأذكار وقيام الليل. ولذلك، عندما يجتمع المؤمنون في مثل هذه اللقاءات، يتنافسون في الخير، كما قال الله تعالى: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكما ذكر الصحابي الجليل: “اجلس بنا نؤمن ساعة”، نجد أن بعض الناس قد يتساءلون عن معنى هذا الحديث. ولكن المقصود بالإيمان هنا هو ذلك الإيمان الذي يزيد وينقص، فالإيمان يتقوى بمجالس الذكر، ويضعف بالابتعاد عنها.
الإيمان كما ذكر الصحابي الجليل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وهذه الحقيقة هي التي دفعت الصحابة الكرام إلى طلب مجالس الذكر والإيمان مع بعضهم البعض، فهم كانوا يدركون جيدًا أن هذه المجالس تُحيي القلوب وتجدد نشاطها. ففي لحظات الاجتماع على ذكر الله وتدارس كتابه، يشعر المؤمن بطاقة روحية عظيمة تتجدد، وتعينه على مقاومة الفتور والضعف الذي قد يصيبه.
وفي هذا السياق، كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يحرص على أن يُوصي المسلمين بالحفاظ على الأوقات التي يقضونها في الذكر والعبادة، فقال: “خير مجالسكم التي تُحيي فيها القلوب بالذكر”. فبمجرد أن يجلس المؤمن مع إخوانه في الإيمان ويتذاكرون في دينهم، يفتح الله عليهم أبوابًا من الرحمات والبركات، ويُقوي من عزيمتهم وإرادتهم في السير على طريق الحق.
وعليه، فإن مجالس القرآن ليست فقط لتعليم الحروف والكلمات، بل هي مجالس لتغذية الأرواح وتقوية الإيمان وتجديد العهد مع الله جل وعلا. فكلما اجتمع المؤمنون على تدارس القرآن، كانت تلك الجلسات بمثابة نقطة انطلاق جديدة، تعيدهم إلى طريق الطاعة والالتزام. وما أجمل هذه المجالس التي تجمع القلوب على محبة الله والتعاون على البر والتقوى.
لذا، فإن الإنسان، حتى لو شعر بالفتور أو الضعف في بعض الأحيان، يجب ألا يتوانى عن العودة إلى هذه المجالس، لأن فيها النجاة والقوة. فالإيمان، كما أشرنا، يزيد مع الذكر والتقرب إلى الله وينقص بالابتعاد عنه. ولا عجب أن الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا الصلوات في أوقات محددة وشرع لها صلاة الجماعة، كي تبقى القلوب متعلقة بالذكر والعبادة.
في الختام، علينا أن نُدرك أن هذه المجالس هي حصنٌ لنا جميعًا من الفتن والانحراف، وهي وسيلة قوية لتجديد العهد مع الله وتقوية الروابط بين المؤمنين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. فبهذه الروابط القوية بين المؤمنين وباجتماعهم على الخير، يمكنهم أن يستمروا في طريق الهداية والثبات.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يثبتنا على صراطه المستقيم، وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يجمعنا دائمًا على طاعته وذكره. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.